قريبا العالم العربي تحت خط الفقر المائي
حذر خبراء البيئة والاقتصاد والسياسة، من أن العالم العربي سيقع قريبا تحت خط الفقر المائي، وهذا يعني أن سكان الدول العربية سيتعذر عليهم الحصول على المياه النقية من اجل الاستخدامات الإنسانية الأساسية، كالشرب والطهي والاستحمام.
وقد أكد الدكتور أحمد جويلي الأمين العام للمجلس العربي للوحدة الاقتصادية أن هناك ندرة حقيقية في المياه في العالم العربي موضحاً أن نصيب الفرد العربي من المياه لا يتخطي 800 متر تمثل 10% من المتوسط العالمي البالغ 8 آلاف متر مكعب، كما حذر من أن عدد الدول العربية التي تقع تحت خط الفقر المائي حاليا يتجاوز 19 دولة مشيراً إلي أن جميع الدول العربية ستقع تحت خط الفقر المائي عام 2025 وذلك وفقاً للمعدل الذي حددته الأمم المتحدة لقياس مستوي الفقر المائي إذا قل نصيب الفرد من الماء عن ألف متر مكعب.
كما ذكر تقرير صادر عن البنك الدولي أن الوضع المائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون خطيرا خلال السنوات القليلة القادمة، بل وشدد التقرير على أن الوضع سيكون خانقا في حال لم يتم الشروع فورا بإنشاء مشاريع خاصة لتوفير المياه الصالحة للاستخدام الآدمي، وان هناك حاجة ماسة الآن إلى تخصيص استثمارات مالية للنهوض بالقطاع المائي العربي، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وترشيد استخدام المياه، وإقامة شبكات توزيع المياه ذات كفاءة عالية، كما وتوقع التقرير أن يتراجع نصيب الفرد العربي إلى النصف في عام 2050.
هذا ويتوقع الخبراء أيضا أن تسهم التغيرات المناخية الحالية والتي نجم عنها ظاهرة الاحتباس الحراري، وكذلك الزيادة السكانية الكبيرة في الوطن العربي والتي تعد نسبتها من اكبر النسب في العالم، إلى تفاقم أزمة المياه في العالم العربي.
أزمة مياه وحلول تقنية
يقع الوطن العربي في منطقة جغرافية تتسم بالجفاف والحرارة العالية وقلة تساقط الأمطار فيها بوجه عام، وبالرغم من هذه الظروف القاهرة التي يصعب التحكم بها، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هناك جوانب أخرى خطيرة للمشكلة المائية العربية، تتمثل في صعوبة الوصول إلى المياه وانخفاض نوعية المياه الموجودة حاليا بحيث تتطلب معالجة مكثفة من قبل الجهات ذات العلاقة والتي تفتقر أحيانا للخبرة والدعم والمالي الكافيين.
من جهة أخرى، فان نحو 65 بالمائة من المياه التي تصل إلى الدول العربية، تكون منابعها في دول أخرى مجاوره، وقد تشهد علاقة تلك الدول العربية مع تلك الدول نزاعات إقليمية وسياسية تفضي إلى خلق أزمة في توفير المياه.
إن دراسة معمقة للوضع المائي العربي، سوف يبين اختلافا كبيرا بين الأقطار العربية بشكل كبير، فالوضع المائي في دول المغرب العربي، يختلف تماما عما هو عليه الحال في دول الخليج العربي، وبالرغم من وجود أزمة مائية مشتركة، لكن طرق التغلب عليها ومعالجتها مختلف تماما.
فبالرغم من دول الخليج العربي تواجه ظروف مناخية قاسية، وعدم توفر انهار فيها، وقلة السقوط المطري، وزيادة عدد السكان فيها، وارتفاع مستوى الحياة في تلك الدول والذي ينجم عنه ارتفاع كبير في الطلب على المياه النظيفة، والذي قفز من 6 مليارات متر مكعب في عام 1980 إلى أكثر من 70 مليار متر مكعب في عام 2006 ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم عدة مرات في عام 2020 ، هذه التحديات الجسيمة، دفعت دول الخليج إلى تسخير التقنية الحديثة في سد حاجتها من مياه الشرب النظيفة.
وكمثال على كيفية التغلب على مشكلة شح المياه، لجأت المملكة العربية السعودية إلى الأساليب التقنية الحديثة، بحيث تم استخدام آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العالمية لتحليه مياه البحر، فهي تمتلك حاليا 27 محطة تحليه مياه، تلبي 70% من طلب السكان على مياه الشرب، وهي تنتج حاليا 27% من الإنتاج العالمي للمياه المحلات ، لتحتل بذلك المرتبة الأولى في العالم في حجم المياه المحلاة.
وتلي المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة ثم الكويت، وقد ساعد تلك الدول توفر الإمكانيات المالية وطول سواحلها المطلة على الخليج العربي والبحر الأحمر، ووجود البنية التحية للقيام بتلك المشاريع والتي توفرت لديها خلال عشرات السنوات الماضية.هذا الوضع المائي وطرق التغلب عليه يختلف تماما عما هو عليه الوضع في المملكة الأردنية الهاشمية والتي تقع من ضمن الدول الأربعة في العجز المائي عالميا، وهي تشهد حاليا انخفاضا كبيرا في مستوى المياه الجوفية وقلة المياه المتدفقة في نهر اليرموك، كما تشير وزارة المياه والري الأردنية إلى أن نحو 45 % من إمدادات المياه تتسرب من منظومة شبكة توزيع المياه، وهذا ما حدا بالأردن إلى التفكير في خلق حلول مبتكرة للتغلب على مشكلة نقص المياه في البلاد، كاستخدام الطاقة النووية لتشغيل محطات تحليه مياه في البلاد، وبناء قناة لجر المياه من خليج العقبة نحو البحر الميت والاستفادة من فارق المنسوبين في توليد الطاقة الكهربائية التي سوف يستخدم جانب منها في توفير مياه نظيفة للبلاد، بالإضافة إلى قيامها بمشاريع كبيرة لتغيير شبكة توزيع المياه وزيادة الوعي لدى المواطنين بضرورة الاستخدام الأمثل للمياه، وتوفير أجهزة ترشيد استخدام المياه لدى المواطنين.
وعليه فان توفير المياه النظيفة في البلاد العربية والتغلب على مشكلة العوز المائي العربية، لا يمكن أن يتحقق دون وجود مشاريع عربية مشتركة، تهدف إلى تحقيق مستوى جيد من التنسيق والدعم معتمدين في ذلك على تسخير التقنية الحديثة للتغلب على هذه المشكلة الخانقة والتي سيكون لها انعكاسات خطيرة على شعوب منطقتنا العربية في حال لم يتم التغلب عليها مستقبلا.
المهندس أمجد قاسم *
* كاتب ومحرر علمي، عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين