الشكوك
بقلم نوري الوائلي
جهلاءُ دهري لم يعوا التفسيرا وتوهّموا في شكّهم تبريرا
وتجرّعوا سوءَ الشكوك كأنّهم في رملةٍ يتوجّسون غديرا
وتمضْمضوا كالظامئين بمرتعٍ ماءَ المبازل مغسِلاً وعصيرا
فإذا بهم ساروا لكلّ رذيلةٍ وتوسّدوا كاليائسين عسيرا
عجباً لمقتنع بأنّ وجودنا من صدفةٍ جاءت به تحويرا
إنْ كان هذا الخلق منبع صدفةٍ فالعدل أن ندنوا لها تكبيرا
بل تستحقُ بأنْ نمجّد قدرها و لها نخرُّ مذلّةً وشكورا
إنْ كان خلق الكائنات بصدفةٍ منْ أنشأ الأولى لها تسخيرا
كم صدفة يحتاجُ خلق خليّة قد حيّرت في خلقها التفكيرا
كيف الجمال وسحره قد أينعا من صدفةٍ لا تملك التقديرا
ألعقلُ دوماً حين يبحرُ حوله لم يكتشفْ في الكائنات فطورا
حاولتُ في نفسي تخيّل خالقي وحدودَ كونٍ رقعةً وعصورا
وسألتُ نفسي والوساوس ديدني من كان من قبل الوجود ظهيرا
هل جاءَ من عدم فيفنى بعده أو كان قبلاً أوّلاً وأخيرا
فإذا بعقلي بل كياني كلّه كالطالبين من الدجى تنويرا
وشعرت أنّي لم يعدْ في ذاكري إلّا شرودا فارغاً وقصورا
وتصاغرت نفسي كأنّ بروحها بين الترائب لا تجيد زفيرا
إنْ متّ يومي والشكوك وساوسي ماذا أحاورُ منكراً ونكيرا
لا للشكوك وإنْ يوسوس جاهداً أبليسُ في قلبي دجى وشرورا
من عاش أعمى في الحياة ونائماً يصحو على جرس الممات بصيرا
لن يلبس الإلحادَ إلّا جاهلاً قد عاشَ في وهج الدليل ضريرا
من قال إنّ الخلق فعل طبيعةٍ تبري العليلَ وتنشئ ألتأثيرا
أين الطبيعة من صغائر ذرّة إنْ تنشطرْ تعلُ السماءَ سعيرا
هل جاء من بيض الدجاجة ثعلبٌ أو يُعطنا رحم الغزال بعيرا
هلّا سألت النفسَ كيف توازنت نسبُ الأناث مع الذكور دهورا
هذي الطبيعة إنّما قد خُلّقت فيها الصفات تسايرُ التطويرا
ألعلمُ يثلجُ في الصدور أدلّةً تعلو، وتبقى للعليم سفيرا
ألعلمُ ينبئنا بصدق حقيقةٍ يحتاجُ خلق الكائنات قديرا
رغم العلوم فلا تزال سلالة ترجو بصوت الملحدين زئيرا
لكنّ صوتهمو نعيقُ بهائم ويجولُ فوق النائمين شخيرا
ونظرتُ حولي لم أجدْ في عالمي إلّا جهولاً يهتدي وفقيرا
فعرفتُ أنّك للوجود ضرورة ورأيتُ نورك في الوجود منيرا
ورأيتُ رحمتك الوجودَ تصوغه ورأيتُ حلمك في النفوس مُجيرا
ورأيتك المولى، بخلقك منصف ورأيتُ سترك للعباد مصيرا
وقهرتَ دونك بالفناء وأنّهم منذ الولادة يحفرون قبورا
ولقد عرفتك عند كلّ خليقةٍ فبها رأيتك مرشداً وأميرا
وعرفتُ أنّك للخلائق عروة فالكلّ يجري مُحكماً وأسيرا
ورأيت من حولي نعيمك رافداً للعالمين مودّةً ونشورا
ورزقت دون مُسائلٍ أو طالبٍ ونشرت رزقكَ للوجود وفيرا
وخلقت بالحرفين كلّ خليقةٍ من قبل أنْ كان الدّخان سديرا
وغفرت إلّا الشرك لم تغفرْ له ووصفت نفسك للمسيء غفورا
ووجدتُ حولي كلّ شيء ناطقاً قد خاب من عاش الدليل كفورا
ما كان خلقك للوجود لحاجةٍ بل كان خلقك منّةً وطهورا
وإذا رأيت فهل رأيت تفاوتاً في الكائنات وهل رأيت قصورا
وإذا عزمت بأن تبرهن ناقصاً يرتدّ عزمك خاسئاً وحسيرا
إنْ كنت في شكٍ وقلبك حائر فاسألْ لمعرفة الجواب خبيرا
ينبيك أن الخلق قدرة خالق فاقَ الوجودَ مساحةً وحضورا
من عاشَ يلحدُ والنعيم يحفّه نكرَ الجميل وقاحةً وفجورا
ورحمت خلقك رغم سوء فعالهم وبعثت فيهم مرشداً وبشيرا
فإذا همو سيف يجاهر نسله رسلَ السّماء ومن يقوم نذيرا
من ذا أكون ومن أكون لأدّعي أنّ الزراعة لا تريد بذورا
فلتشهد الأكوان أبقى مسلماً وموحداً، عرفَ الجليلَ فطورا
وإذا مَررتُ على المعاصي ساهياً ستجيرني بمصيبةٍ تذكيرا
فصبرتُ فيها وأرتجوتك راضياً فوجدتك الكافي بها ونصيرا
تبّاً لقلبي إنْ دعوتك موجساً ألاّ تكون الى الضروع مجيرا
سلّمتُ أمري للعزيز وإنّني بالغيب أؤمن واثقاً وقريرا
أنت البقاء وما سواك بخالدٍ وعلوت خلقك قاهراً وكبيرا
لن يستمرّ الكون في ميزانه إنْ كان يحوي للعزيز نظيرا
ألنارُ مثوى المشركين ودارهم فبها أذيقوا خسّة وثبورا
سبحان من خلقَ الوجودَ وما له ندّ ينازعه العُلا تدبيرا
سبحان مَنْ جمُّ العطاء يزيده جوداً، فيغني عائلاً وفقيرا
سبحانه عمّا تغلغل في النفو س من الشكوك تساؤلاً وغرورا