مسرحية اهل الكهف بين الطابع الذهني والصراع بين الزمن
3- عتبة العنوان:
ينبني العنوان نحويا على الخبر لمبتدإ محذوف والمضاف إليه مشكلا بذلك الصيغة الإسمية التي ترد قاعدة عامة للكثير من عناوين الكتابات الإبداعية والفنية والأدبية. ويسم هذا العنوان الحذف التركيبي والتعيين العلمي الاسمي الذي يحيل على الخطاب القرآني والمستنسخ الديني.وهذا ما يجعل هذه المسرحية دينية في حمولاتها ومقاصدها الخطابية والفنية والإبداعية.
4- العتبات الأيقونية:
نقصد بالعتبات الأيقونية اللوحة التشكيلية الموجودة على الغلاف الخارجي وصورة توفيق الحكيم، مع العلم أننا نعتمد على طبعة 1988م الصادرة عن دار مصر للطباعة مع الناشر: مكتبة مصر بالفجالة – القاهرة. ويلاحظ أنها طبعة تجارية غير موثقة بشكل موضوعي أو طباعي.
لقد رسم جمال قطب اللوحة التشكيلية الخارجية بطريقة ملونة رائعة على غرار رسمه للوحات نجيب محفوظ. وهذه اللوحة الطبيعية على مستوى المحاكاة تضم شخصية نسوية فاتنة وجميلة المنظر( بريسكا العاشقة)، وتحوي كذلك أهل الكهف والجنود والملك، وإذا أولنا هذه اللوحة فإنها تترجم لنا العقدتين الغرامية(بريسكا القديسة مع مشلينيا) والعقدة الدينية التاريخية( شخصيات أهل الكهف وموقف الدولة منها
6- جنس المسرحية:
يمكن أن ندرج هذه المسرحية ضمن المسرحيات الدينية التي ألفها توفيق الحكيم مثل سليمان الحكيم...ولكن هناك من اعتبرها مسرحية ذهنية كتوفيق الحكيم لأنها مسرحية يصعب تمثيلها وعرضها سينوغرافيا، ومن ثم فهي موجهة للقراءة فقط؛ لاحتوائها على صراع ذهني وهو الصراع ضد الزمن من أجل الحب والحياة والبقاء.
يقول توفيق الحكيم عن مسرحه الذهني في المقدمة التي كتبها سنة 1942م لمسرحية بجماليون:" منذ نحو عشرين عاما كنت أكتب للمسرح بالمعنى الحقيقي، والمعنى الحقيقي للكتابة للمسرح هو الجهل بوجود المطبعة. لقد كان هدفي وقتئذ في رواياتي هو ما يسمونه المفاجأة المسرحية... ولكني أقيم اليوم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز. إني حقيقة مازلت محتفظا بروح المفاجأة المسرحية، ولكن المفاجآت المسرحية لم تعد في الحادثة بقدر ماهي في الفكرة، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة. لقد تساءل البعض: أولا يمكن لهذه الأعمال أن تظهر على المسرح الحقيقي، أما أنا فأعترف بأني لم أفكر في ذلك عند كتابة روايات مثل أهل الكهف وشهرزاد ثم بيجماليون، ولقد نشرتها جميعا ولم أرض حتى أن أسميها مسرحيات بل جعلتها عن عمد في كتب مستقلة عن مجموعة لتمثيل المسرحيات الأخرى المنشورة في مجلدين حتى تظل بعيدة عن فكرة تمثيل الفرقة القومية لرواية أهل الكهف وتخوفه من ذلك. "
وإذا كان توفيق الحكيم يعتبر نصه مسرحا ذهنيا فإن محمد مندور يعتبره مسرحا تجريديا:" ويخيل إلي أن قيام كل هذه المسرحيات على فروض فكرية هو الذي يبعد بها عن حرارة الحياة الواقعية على نحو يحملنا على أن نسمي هذا النوع من المسرحيات بالمسرحيات التجريدية لا المسرحيات الذهنية التي نجدها عند إبسن وشو مثلا" .
وهناك من يعتبر هذا العمل مسرحية رمزية مثل تسعديت آيت حمودي لوجود رموز فكرية في تصور توفيق الحكيم:" هذه الرؤية التي جسدها توفيق الحكيم في مسرحية أهل الكهف قريبة جدا من الفلسفة الرمزية ونظرتهم إلى الإنسان والحياة من حيث أن الذات هي الأصل ومن خلالها نرى مظاهر الوجود، وأن هذه المظاهر لا تتكشف لنا حقائقها إلا من خلال نقاب الحلم" .
ويتبين لنا من كل هذا، أن مسرحية أهل الكهف مسرحية دينية ذات قالب ذهني تجريبي ورمزي.
7- المعمار المسرحي:
قسمت المسرحية إلى أربعة فصول دون أن يقسمها الكاتب إلى مناظر ومشاهد، وهذه الفصول قائمة على التوازي والتقابل على المستوى الكمي، إذ الفصل الأول/ المقدمة/ يتوازى من حيث عدد الصفحات مع الفصل الأخير/ الخاتمة/ أما الفصلان الثالث والرابع اللذان يشكلان حوار العرض فيتماثلان معا من حيث الصفحات كذلك، ونخطط معمارالمسرحية بهذه الكيفية:
الفصول الصفحات الشخصيات المكان الزمان الحدث
الفصل الأول 33صفحة مشلينيا ومرنوش ويمليخا والناس. ومع أهل الكهف الكلب قطميريحرسهم الكهف بالرقيم ظلام لا يتبين فيه غير الأطياف يقظة أهل الكهف من رقادهم الطويل وشرحهم للأسباب التي أودت بهم إلى هذا المكان المظلم
الفصل الثاني 57 صفحة الأميرة بريسكا-غالياس- الملك- مشلينيا – يمليخا- مرنوش القصر النهار وصول أهل الكهف إلى القصر واندهاش غالياس والملك وبريسكا من هؤلاء القديسين الثلاثة
الفصل الثالث 57 صفحة مشلينيا- غالياس-مرنوش- الأميرة القصر الليل تغيير مشلينيا ومرنوش لمظهرهما الخارجي وفشلهما في العثور على بغيتهما بفعل عامل الزمن
الفصل الرابع 34 صفحة مشلينيا-مرنوش- يمليخا- بريسكا – غالياس- الراهبان- الملك الكهف بالرقيم النهار عودة أهل الكهف إلى مرقدهم وتذكر مارأوه في طرسوس من تغيرات بفعل الزمن وعزم بريكسا الموت مع هؤلاء القديسين بسبب الحب الذي تكنه لميشلينيا عشيق جدتها
8- متن المسرحية:
تستوحي مسرحية أهل الكهف القصة القرآنية الواردة في سورة الكهف، والتي ذهب المفسرون في شرحها وتأويلها عدة مذاهب وخاصة في عدد الهاربين إلى الكهف زمن الملك دقيانوس المتغطرس الذي كان يقتل المسيحيين ويجبرهم على الضلال والكفر.
تبدأ المسرحية بتحرك الشخصيات مرنوش وميشلينا ويمليخا والكلب قطميرداخل الكهف بعد رقود هؤلاء لمدة طويلة تقدر بثلاثمائة سنة، بيد أنهم كانوا يعتقدون أنهم ناموا يوما أو بعض يوم.وبعد ذلك بدأ يستحضر الكاتب في هذا البرولوج الاستهلالي سبب وجودهم داخل الكهف الذي يتمثل في الهروب من ملك دقيانوس عدو المسيحية بعد أن ترك ميشلينيا حبيبته بريكسا تنتظر رجوعه ليلتئم شملهما، وخاصة أنها قديسة مسيحية طاهرة مثله تؤمن بالكتاب المقدس وتقرأه بنية وإخلاص. وما الصليب الذي أهداه مشلينيا إليها إلا دليل على الإخلاص وحب الأميرة لهذا الوزير الذي كان في خدمة أبيها الطاغية المتجبر. كما أن مرنوش هرب بعقيدته ودينه خوفا من وعيد الملك المستبد وغطرسته وترك زوجته وابنه الصغير في عذاب القلق وسط هوجاء المذبحة التي شنها الطاغية لإبادة أتباع المسيح.أما الراعي يمليخا فقد ترك قطيعه من الأغنام ليلتحق بهذين الوزيرين قصد الاحتماء بالكهف للحفاظ على دينه .وقد قرر الثلاثة العودة إلى طرسوس لمتابعة حياتهم من جديد، ولكنهم خافوا من بطش دقيانوس وعزمه الشديد على الفتك بهم.
ويشير الديالوغ أو الحوار إلى بداية الصراع الدرامي حيث طلب مشلينيا ومرنوش من الراعي يمليخا أن يأتيهم بالطعام لأنهم أحسوا بالجوع ينهش أمعاءهم، والتعب الشديد يمس ظهورهم بسبب كثرة الرقود والتمايل يمنة ويسرة. ولما خرج يمليخا ليشتري الطعام صادف صيادا، فأراد أن يبتاع صيده ولكن الصياد اندهش لحال يمليخا وغرابته غير المعهودة بسبب لحيته وأظافره الطويلة ونقوده الفضية التي تعود إلى عهد دقيانوس؛ حتى ظن الصياد أن الرجل حصل على كنز كبير. ولما عاد الراعي إلى الكهف وحكى لأصدقائه ما جرى بينه وبين الصياد حتى استغربوا وضعهم وشكلهم العجيب. وبعد ذلك، سمعوا ضجيج الناس عند مخرج الكهف يبحثون عن صاحب الكنز.
ولقد انتشر خبر أهل الكهف في مدينة طرسوس التي أصبحت مسيحية بفضل ملك مؤمن معتنق لديانة المسيح يكثر من قراءة الكتاب المقدس ويحترم الرهبان والقديسين. وكانت بنته بريسكا الأميرة الجميلة الشابة مؤمنة مثل أبيها على دين المسيح. تتلقى دروسها من مؤدبها غالياس الحكيم الذي أخبرها عن جدتها القديسة بريسكا والقديسين الهاربين من سطوة دقيانوس المتجبر.
ولقد اندهش الجميع في القصر وفي طرسوس لما شاهدوا القديسين الثلاثة، وأحسوا بالخوف والرعب والتقزز من منظرهم الغريب. ولما حاول الثلاثة التأقلم مع الوضع الجديد والبحث عن سعادتهم الدنيوية وماكان يسعون إليه وذلك بتغيير شكلهم ومنظرهم الخارجي، إلا أنهم وجدوا عدة عقبات وحواجز وأهمها مشكلة الزمن. فلقد فقد مرنوش أهله منذ زمن طويل إذ توفي ابنه وقد تجاوز الستين بينما هو لم يتجاوز الأربعين، كما أن الراعي يمليخا لم يجد قطيعه في الغابة التي كان يرعى فيها كما أن مشلينيا اعتقد أن القصر هو قصردقيانوس وأن بريسكا بصليبها الذهبي وكتابها المقدس هي حبيبته التي تنتظره؛ لكنه سيصاب بخيبة أمل عندما يكتشف أنها ليست هي بريسكا بنت دقيانوس بل هي حفيدتها سميت باسمها بعد أن تنبأ لها العراف أن تكون مثل جدتها قديسة طاهرة. وفي الأخير، قرر الثلاثة العودة إلى الكهف بعد أن فشلوا في إثبات وجودهم والحفاظ على بقائهم بين الناس، وبعد أن صار الحب سرابا ووهما بفعل تباعد الزمن. وقد لحقت بريسكا بهؤلاء القديسين حبا لمشلينيا الذي بقي وفيا ومخلصا لجدتها.
وينتهي الإيبيلوغ الختامي بقرار الملك أن يغلق الكهف مخافة من عبث العابثين، وأن يترك المعاول داخل هذا القبر المقدس فإذا أراد القديسون العودة من جديد في زمن ما يستطيعون بها أن يفتحوا باب الكهف المسدود عليهم.
ويلاحظ على هذه المسرحية، أنها تتضمن عقدتين دراميتين على غرار روايات جورجي زيدان، وهما: العقدة التاريخية ذات الطابع الديني التي تتمثل في هروب مجموعة من القديسين المسيحيين إلى الكهف من الطاغية دقيانوس الذي كان يتتبع المتدينين بالقتل والذبح، وطرح مشكلة البعث والنشور بعد الموت، ولاسيما أن هذه القصة الدرامية معجزة حقيقية ودليل قاطع على قدرة الله عز وجل على الخلق والموت والبعث من جديد على غرار قصة عزير نبي الله. لكن توفيق الحكيم حور هذه القصة الدينية وأضاف إليها العقدة الدرامية التي تتمثل في الغرام والتجربة الرومانسية الطاهرة والحب العفيف بين مشلينيا والأميرة بريسكا التي تنتهي بالوداع والموت بسبب عائق الزمن وحتمية القدر واستحالة البقاء في الحياة لوجود غرابة كينونية ووجودية.وتضفي العقدة الغرامية طابعا فنيا وتشويقا جميلا على حبكة المسرحية وتثير وجدان المتلقي وعقله. كما تتضمن المسرحية قصة غرامية وهي قصة مشابهة لتجربة الحب بين مشلينيا وبريسكا وهي قصة الياباني أوراشيما الذي وجد صعوبة في التكيف مع واقعه الذي عاد إليه بسبب مشكلة الزمن.
ومما يؤخذ على الكاتب، أنه جعل يمليخا أكثر تدينا من مشلينيا ومرنوش الذين ارتبطا بزينة الدنيا والبقاء من أجل الحب والحياة، مما جعل حواراتهما داخل الكهف تنم عن عقيدة مضطربة فيها الشك والتذبذب والتقلب، وهذا يتناقض مع فحوى السورة القرآنية التي وصفتهم بقوة الإيمان والتوحيد:"إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا" .
9- الصراع الدرامي:
يتمثل الصراع الدرامي في هذه المسرحية في صراع أهل الكهف ضد الزمن من أجل الحياة والحب، كما يحيل النص على صراع ديني ألا وهو صراع الإيمان" أهل الكهف" مع الكفر والوثنية" دقيانوس". كما أن هناك صراعا رمزيا تعكسه الشخصيات وهو تقابل العقل" مرنوش" مع القلب" مشلينيا" والحواس" يمليخا". ولكن يبقى الصراع ضد الزمن هو المحك الدرامي لهذه المسرحية. بقول يمليخا:
"إلي يامرنوش... يا يمليخا.... إنا لا نصلح للحياة.... إنا لا نصلح للزمن.... ليست لنا عقول.... لا نصلح للحياة....!"
ويبدو هذا المشكل واضحا عندما يطرح الحب والغرام بين مشلينيا وبريسكا ويصير وهما مستحيلا وسرابا قاتلا بسبب عائق الزمن الوجودي، وهذا ما يؤكده مشلينيا لبريسكا:
" نعم... نعم...الوداع! يا... يا...لست أجسر!الآن أرى مصيبتي وأحس عظيم ما نزل بي. لامرنوش ولايمليخا رزئا بمثل هذا... عن بيني وبينك خطوة... بيني وبينك شبه ليلة... فإذا الخطوة بحار لانهاية لها. وإذا الليلة أجيال... أجيال... وأمد يدي إليك وأنا أراك حية جميلة أمامي فيحول بيننا كائن هائل جبار: هو التاريخ. نعم، صدق مرنوش...لقد فات زماننا ونحن الآن ملك التاريخ... ولقد أردنا العودة إلى الزمن ولكن التاريخ ينتقم... الوداع!" .
وإذا كان الخطاب القرآني قد طرح قصة أهل الكهف ليؤكد فكرة البعث والنشور فإن توفيق الحكيم صاغها فنيا ليؤكد صراع الإنسان ضد الزمن من أجل الحب والحياة.
وقد نندهش عندما يلحق الكاتب بريسكا بالقديسين الموتى لا رغبة في القداسة بل رغبة في الحب والحياة على غرار قصة روميو وجولييت مما يعطي لهذا العمل طابعا مثاليا غير معقول:
بريسكا: ومهمة أخرى يا غالياس، إذا علمت الناس قصتي وتاريخي فاذكر لهم كما أوصيتك...
غالياس: ( وهو يهم بالخروج) أنك قديسة...
بريسكا: كلا...كلا...أيها الأحمق الطيب. ليس هذا ما أوصيتك...
غالياس: أنك امرأة أحبت...
بريسكا: نعم ... وكفى.
( يخرج غالياس وتبقى وحدها ويغلق الكهف عليها وعلى الموتى)."
وكان على الكاتب أن يستبقي مشلينيا في الحياة إلى جانب بريكسا أو يطول الفصل والحوار مادام الحب قد بدأ يتخلل وجدانهما ويدخل قلبهما الطاهرين.وقد لاحظ محمد مندور بدوره ما لاحظناه:" والحوار الذي يجري على أساس هذا اللبس بين مشلينيا وبريسكا الجديدة وانكشاف هذا اللبس شيئا فشيئا، ثم انبثاق الحب في قلب الطرفين شيئا فشيئا يعتبر من أروع ما كتب الحكيم من حوار وإن كنا لا ندري كما أوضحنا من قبل لماذا عاد الحكيم ثانية بمشلينيا إلى كهفه على الرغم من تجدد أقوى صلة تربطه يالحياة وهي صلة الحب، بل وجعل بريسكا الجديدة تلحق به في الكهف، وإن يكن مشلينيا قد كان بالضرورة آخر من عاد إلى الموت باعتبار الأمل في الحب قد أمسكه بعض الوقت في رحاب حياته الجديدة."
وقد تنبه محمود أمين العالم بدوره إلى هذا الرجوع غير المبرر بقوله:" فمنطق العودة إلى الكهف منطق مفروض على المسرحية، وليس مستمدا من ضرورة حية كامنة فيها، ومنطق العلاقات الداخلية، فيه من التأمل الفكري المجرد أكثر مما فيه من الصدق الإنساني. ولاشك أن مصدر هذا العجز الفني، أن فلسفة المسرحية مستمدة لامن نبض الواقع الحقيقي، وإنما من فلسفة فئة تتأمل الواقع دون أن تتحرك معه، ودون أن تشترك فيه، ودون أن تضيف إليه...ولكن للمسرحية وحدتها الفكرية المتماسكة وحوارها المتسلسل، وهذا هو مصدر ما فيها من جمال، ولكنه جمال شاحب...مريض"11.
وتحيل المسرحية على مصر الثلاثينيات وهي قابعة في تخلفها وموتها وسكونها تحت الاحتلال الأجنبي والنظام الملكي المطلق المستبد الذي قمع الحريات وأسكت الفكر والأصوات الداعية إلى التحرر وقتل الحياة وقوة الشباب. و تزكي المسرحية هذا الطرح فتندد بموت مصر وتقاعسها الأشيب الذي أودى بها إلى الهلاك والخمول. ويعتبر محمود أمين العالم في تحليله الاجتماعي أن عودة الشخصيات إلى الكهف يعني الموت والعدم ودفن الحياة وإقبار لكل تطلع وكفاح وتحرر مصري من الأنظمة المطلقة الحاكمة:"إن مسرحية أهل الكهف مأساة مصرية بحق ولكنها مأساة مصر من جانبها المهزوم الذليل، مصر التي ترى الزمن عدما أسود لا حركة للتطور والنمو والنضوج، مصر التي ترى الزمن ثقلا وقيدا لا تيارا دافقا خلاقا وعملية نامية، مصر التي تؤمن بالبعث الخاوي من حركة الحياة، لامصر التي تؤمن بالواقع الحي المتطور، مصر التي تؤمن بمفهوم للزمن جاف أعجف، لامصر التي تؤمن بحركة الواقع الحي، وتكافح من أجل تثبيت سيطرة أبنائها على حياتهم.
لهذا كانت هذه المسرحية من الأدب الرجعي، الذي وإن عكس جانبا من الحياة المصرية، إلا أنه لا يشارك في حركتها الصاعدة، بل يقبع عند علاقاتها وقواها الخائرة المهزومة."
ونصل من كل هذا، إلى أن مسرحية أهل الكف يتقاطع فيها جانبان: جانب تاريخي ديني وجانب غرامي فني. كما أنها مسرحية ذهنية ورمزية تشير إلى صراع الإنسان ضد الزمن من أجل البقاء والحب والحياة.
خاتمة:
وخلاصة القول: إن مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم مسرحية كلاسيكية من حيث البناء الدرامي وتركيب الفصول المتسلسلة سببيا وكرونولوجيا ودراميا، كما أنها مسرحية ذهنية وتجريدية وتجريبية تطرح صراعا فكريا يتمثل في صراع الإنسان ضد الزمن من أجل البقاء والحياة والحب
من منتدى المسرحيون
WWW.MASRAHEON.COM