الميتة اما أن تكون منخنقة أو موقوذة أو نطيحة أو ما أكل السبع ، كما أخبرناالله تعالى :
" حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة
والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب "" المائدة –3 " .
ما ذبح على النصب : هو حجر كان ينصب وتصب عليه دماء الذبائح ، أو هى حجارة كانت حول مكة كانوا يذبحون عليها ، ولذلك فهى وان كانت مذبوحة الا أنها أهل بها لغير الله ، وبذلك حرمت .
والمنخنقة : هى التى تموت خنقا ، وكانوا فى الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها فاذا ماتت أكلوها ، فحرم الاسلام أكل اللحم المنخنقة من الحيوان ، ولا زالت عادة أكل اللحوم المنخنقة متفشية فى العالم الغربى حتى اليوم .
والموقوذة : هى التى تضرب بحجر أو عصا حتى تموت ، وكانوا فى الجاهلية يضربون الشاة حتى تموت ويأكلونها .
والمتردية : هى التى تسقط من علو الى أسفل فتموت .
والنطيحة : هى الشاة تنطحها أخرى فتموت قبل أن تذكى .. وتذكى ( أى تذبح وفيهارمق من الحياة ) .
وما أكل السبع : أى ما افترسه ذو ناب أو ظفر من الحيوان .
ولقد تحدثنا عن الحكمة العلمية فى تحريم أكل لحم الميتة والدم ، وما كانت الحكمة العلمية فى ذلك معروفة الا من خلال التقدم العلمى فى العصر الحالى .
وماذا فى حالة الاضطرار الى أكل لحم الميتة ؟ .. روى الامام أحمد فى المسند عن أبى واقد الليثى قال : قلت يا رسول الله ، انا بأرض تصيبنا بها مخمصة " أى مجاعة " فما يحل لنا من الميتة ؟ .. فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " اذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها " .
اذا لم تصطبحوا : أى لم تجدوا ما تصطبحون به من لبن ناقة أو شاة ولم تغتبقوا :أى لم تسقوا ما تطعمون به .
ولم تحتفئوا : أى لم تجدوا بقلا يصلح لكم طعاما فى الأرض : أى اذا تعرضتم
للمجاعة ولم تجدوا شيئا الا لحم ميتة ، فكلوا منها ما يسد الرمق ويمنع الموت جوعا وهذا تفسير لقول الله تعالى :
" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه " .
لقد حرم الله تعالى أكل الميتة ، وقد يصل الانسان الى المغزى العلمى فى ذلك
وقد لا يصل .. وما كان الناس قديما يدركون العلة فى التحريم ، ولا السبب
العلمى فى ذلك الا أن التقدم وضح لنا الأسباب لتحريم أكل لحم الميتة والاعجاز العلمى فى الآيات الكريمة .
وذكرنا أن الجراثيم الضارة تتكاثر فى لحم الميتة وتفرز فيها سمومها الفتاكة ، ويساعد على سرعة تكاثر الجراثيم وجود الدم الذى لم يصف بالذبح ، وتحدث عمليات التعفن والتحلل سريعا ، وتتفاوت الجراثيم فى آثارها وأخطارها وقدرتها على تحمل الحرارة ، ولذلك فان منها ما يموت بالطبخ ومنها لا يموت .. الا أن معظم السموم لا يقل مفعولها بطبخ لحم الميتة ، فالذى يأكل لحم ميتة مطبوخ انما يأكل لحمامسموما ، ولم يكن الناس قديما يدركون هذة الحقائق العلمية ، وبالتالى ما كانوا يدركون المغزى العلمى للآيات الكريمة ، التى تتحدث عن تحريم أكل لحم الميتة والدم ، ولا الحكمة العلمية فى اباحة الرسول صلى الله عليه وسلم فى أكل ميتة البحر والكبد والطحال – وليس الكبد والطحال من ميتة ولكن الكبد والطحال من حيوان قد ذبح كما أمر الله ورسوله – وانما أباحهما الرسول صلى الله عليه وسلم لأن فى كل منهما دم ، ولا يمكن استخلاص الدم من كلا منهما ، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أكلهما مباح مع أن فى كل منهما دم ، وذكرنا الحكمة العلمية
فى ذلك ، أما أكل الكبد أو طحال من ميتة ، فحكمه حكم أكل الميتة ، لأن مراحل العفن تكون قد دبت فى كل منهما .
ومن المعلوم أن القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف هما من مصدر واحد وهوالوحى الالهى ، ونزل الوحى الالهى للناس فى كل زمان ومكان والى يوم القيامة .
وكل عصر يفهم من الحقائق العلمية التى ذكرها القرآن والحديث النبوى على قدر علمه وطاقة فهمه ، ويأتى بعده عصر ارتقى فيه العلم فيصل الناس الى فهم وجه آخر من وجوه العلم فى الآية أو الحديث ، ولم يكن السابقون على علم به ، أما علم الله تعالى فهو علم لا نهاية له ، ولا يعد علم الانسان بجانبه شيئا مذكورا .
وحديثا جدا فى عام 1997 ظهرت لنا حكمة علمية أخرى فى تحريم أكل لحم الميتة ، مما يضيف الى الآيات التى نزلت بتحريمه اعجازا فوق اعجاز ، وذلك فى موضوع جنون البقر ، الذى حدث فى بريطانيا ، والموضوع فى ايجاز شديد أن المربين للبقر هناك كانوا يجففون لحم الميتة من البقر والماشية ، ويستخدمونها علفا للبقر فى مزارع التربية ةالتسمين ، وحدث أن أكل لحم هذة الأبقار سبب مرضا للناس الذين أكلوها ، كما سبب للبقر الذى تناولها علفا أيضا ، مرضا بالمخ سبب أعراضا عصبية ، أطلق عليها اسم مرض " جنون البقر " .
واكتشف حديثا جدا أن سبب حدوث المرض ليس بسبب الجراثيم والسموم ، ولكنه بسبب تغير كيمائى حدث فى لحم الميتة ، نتجت عنه مواد عضوية فى اللحم أكثر تأثيرا من السموم ، فهى تسبب مرضا خطيرا بالخلايا العصبية فى الجهاز العصبى المركزى وتدمرها فيصير المخ كالأسفنج .. وما يحدث للبقر الذى يأكل لحم الميتة ، يحدث للانسان الذى يأكل لحم الميتة .. وتمر سنوات طويلة قبل ظهور أعراض ذلك المرض فى الانسان ، لذلك لم يلاحظ الناس ذلك المرض من قبل ، وما عرفوا من أسراره شيئا .
وقد ظهرت تقارير علمية تعلن عن خطر جديد لم يكن معروفا من قبل ، وهو أن أخطر ما فى لحم الميتة يكمن فى شحومها .
وهكذا ظهرت للناس أسباب تحريم أكل لحم الميتة ، سببا وراء سبب ، مما لم يكن العلماء يعلمون عنه شيئا من قبل ، الا أن ذلك ذكر فى القرآن الكريم اجمالا وفى الحديث النبوى تفصيلا مما يعد اعجازا علميا عظيما لا شك فيه . فقد ذكر التحريم فى سورة المائدة :
"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة
والموقوذة والتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب ".
ولحم الميتة مختلط بالدهن وخصوصا اللحم السمين الا كان معظمه شحما.
أما الحديث النبوى الشريف ، فقد علم الناس أن الخطر الأكبر يكمن فى شحومها ، وأنه لا خطر بالانتفاع بجلودها لأنها مما لا يؤكل ، فقد روى الأئمة البخارى ومسلم ومالك عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال : " أنما حرم أكلها " .
وورد فى الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" قاتل الله اليهود ، وحرمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها " .
وروى الشيخان عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه " ، والوداك دسم اللحم ودهنه .. وجاء فى تفسير الحديث الشريف : " حرمت عليهم الشحوم " أى أكلها ، واذا كان التحريم لليهود فى أكل الشحوم فى البقر والغنم فان فى ذلك اشارةللمسلمين بأن فى الشحوم سببا ينبغى اجتنابه ، وقد حرمت عليهم الميتة .
وبذلك يكون الوحى الالهى فى القرآن والسنة قد حرم أكل الميتة لحما وشحما وترك الحكمة العلمية فى ذلك التحريم لاجتهاد الناس عبر العصور ، واذ لو أخبرهم بالسر العلمى ما صدقوه ولأثر ذلك على تصديق الرسالة ككل ، فترك البحث عن السبب للناس عبر العصور ، وقد ذكر لهم الحكم وأمرهم باتباعه .. ويظل القرآن والحديث النبوى رسالة متجددة من الله عز وجل ورسوله الى الناس جميعا فى عصر النبوة والى يوم القيامة .
2013-10-02, 11:58 من طرف 
