السلبية الثانية:
ـ أما السلبية الثانية فقد كانت نتيجة طبيعية للسلبية الأولى, لأن السلبية الأولى ما هي إلا فقدان الرؤيا الواضحة المستنيرة التي تتحدد في نطاقها جميع الطرق والمسالك والوسائل. فباختفاء الغايات, وعدم وضوحها, بل عدم السعي لها تختفي الوسائل, ويتبدد الجهد, وبالفعل فإن وسائلنا وطرقنا التي نسلكها في حياتنا بجميع أبعادها هي وسائل غير جادة, وطرقاً غير موصلة.
فتخطيطنا لحياتنا في جميع النظم الاجتماعية من سياسية واقتصادية, وأمنية وترفيهية, وأسرية يفقد وحدة الفكرة, وتماسكها وبالتالي تتجزأ خططنا, وتتمزق.
وتنفيذنا لخططنا وما يتطلبه ذلك من عمل, ومن أخلاقيات لهذا العمل, ومن تنظيم للعمل, وإدارته ومن قوانين وأخلاقيات تتعاون مع القانون ضبط سير العمل نحو الغايات, كل ذلك يصعب تواجده أو تماسكه في ظل الغايات غير الواضحة وفي ظل غياب وحدة الفكر وتماسكها. ويترتب على ذلك تشتيت لخططنا, وضياع للأخلاقيات المرتبطة بالأعمال المختلفة, وبالأدوار المختلفة, وبالتالي يضعف مستوى الإدارة والتنظيم, كما يضعف مستوى تعاملنا مع وسائلنا المادية, والحفاظ عليها, وصيانتها, كما يضعف مستوى تنفيذها للقانون, وتنمية للقيم فينا, والحصيلة النهائية انخفاض مستوانا الحضاري والفكري عن غيرنا.
وكثيراً ما نلجأ إلى حلول لمشكلاتنا بعد ما تلح علينا هذه المشكلات وتطرق أبوابنا. ولما كانت المشكلات تنشأ من عدم تحديد خطوط مساراتنا نحو غاياتنا, ولما كنا نفتقد وضوحاً في غاياتنا, وتحديداً لها, فإن خطوط مساراتنا تصبح غير مستقيمة, أو واضحة هي الأخرى, فتنشأ المشكلات المختلفة.
ونحن في حلنا لهذه المشكلات قد نلجأ إلى حلول مطابقة لحلول عند غيرنا لمشكلات نبعت عندهم هم. وقد نضحي بالوعي أو باللاوعى ـ بكثير مما نحرص عليه من قيم في سبيل الحل المؤقت لمشكلاتنا. فيكون مسلكنا ـ في أمور من أمورناـ غير إسلامي. وحينما تتراكم حلول مشكلاتنا على هذا النحو أو تتراص إلى جوار بعضها نجد أنفسنا نعيش في نطاق غير إسلامي تماماً. ولا يبقى لنا من هذا (الدين القيم) إلا العبادات وبعض الطقوس الدينية إن فقدت روحها الإسلامي الموجه للحياة.
ولعل ذلك هو السبب في اقتباسنا لحلول اقتصادية غير إسلامية, ولقوانين, ولوائح غير إسلامية. بل تمادى بعض الأشخاص في بعض المجتمعات الإسلامية في سن بعض اللوائح غير الإسلامية ولم ينتفض لها الروح الإسلامي في هذه المجتمعات, مع أنها تتناقض صراحة مع الإسلام.
ويتوج هذا الانحراف في الاقتباس بانحراف في الاقتباسات التربوية لعناصر التربية, ومحتواها الفكري والقيمي. ومنطلقاتها, باستثناء بعض (التغليفات) اللفظية بضرورة أن تشتق المناهج والأهداف من ثقافة المجتمع دون محاولات جادة واعية محللة لمحتوى القيم الإسلامية ـ إطار ثقافتنا الحقيقي ـ, وتضمينها الأهداف, والمناهج, والوسائل التربوية.