تقديــــــم:
من المعروف لدى الجميع أن المنظومة التربوية التعليمية المغربية تعاني من الضعف والهشاشة والتخلف والتردي على الرغم من أن قطاع التعليم يشكل نسبة 26 ٪ من ميزانية الدولة، أي ما يفوق 37 مليار درهم سنة 2008م. وبهذا، تشكل هذه الميزانية 6 ٪ من الناتج الداخلي الخام، كما تمثل ربع ميزانية الدولة. وبالتالي، فتسعين في المائة (90٪) من ميزانية التعليم تصرف لأداء الأجور، بينما الباقي يخصص للتسيير والتجهيز والاستثمار. كما تنفق الدولة حوالي 600 دولار على كل مواطن إلى حدود 21 سنة، في حين تصل النسبة إلى 1020 دولار في تونس، و 1600 دولار في جنوب أفريقيا، و950 دولار في الأردن. ويدل هذا المعدل على ضعف المؤشر التربوي المغربي بالمقارنة مع المعدلات المسجلة في بلدان أخرى مماثلة.
وعلى الرغم من هذه المعطيات الإحصائية والأرقام الرسمية التي تبين ما يخصصه المغرب من موارد مالية تصرف بسخاء على المنظومة التعليمية والتربوية ، فمازال التعليم المغربي يعرف أزمات خانقة ومشاكل عديدة على جميع المستويات والأصعدة؛ مما جعله يحتل مراتب متأخرة، ويتبوأ مكانة متخلفة بين دول العالم في مجال التنمية البشرية بصفة عامة ، وفي مجال التربية والتعليم بصفة خاصة.
هذا، وقد شهد المغرب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا العديد من الإصلاحات التربوية والتعليمية ، إلا أن جل هذه الإصلاحات كانت فاشلة بسبب قلة الموارد المالية والمادية والبشرية ، وعدم قدرة المسؤولين عن القطاع التربوي على تفعيل بنود الإصلاح ميدانيا، والعجز عن تطبيقها واقعيا. وبالتالي، التراجع في كثير من الأحيان عن تنفيذ توصيات الإصلاح وأجرأة قراراته عمليا، وانعدام الانخراط الجماعي لتمثل الإصلاحات البنيوية الجوهرية، واستيعابها تطبيقا وممارسة وتجريبا، مع النزول بها إلى أرض الواقع لاختبار فرضياتها وجني ثمارها.
إذن، ماهو المخطط الاستعجالي دلالة ومفهوما؟ وماهي دواعيه العامة والخاصة؟ وماهي أهدافه وخطواته الإجرائية؟ وماهي آلياته العملية ومرجعياته النظرية؟ وإلى أي مدى يمكن اعتباره مخططا تربويا ناجحا أو فاشلا؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذه الورقة المتواضعة.
تعريــــف المخطـــط الاستعجــــالي:
المخطط أو البرنامج الاستعجالي هو عبارة عن خطة إنقاذ للنسق التربوي التعليمي المغربي من الأزمات العديدة التي يتخبط فيها. ويستند في جوهره على مبدأين أساسين. المبدأ الأول يكمن في التخطيط المبرمج الذي يتسم بالتدقيق، والتركيز، والانتقاء، والفاعلية، والإجرائية، والبراجماتية، وقابلية التنفيذ… والمبدأ الثاني يتضح جليا في التنفيذ الفوري للبرنامج، والتسريع في تطبيقه ، وترجمته ميدانيا وواقعيا ، بدون تريث ولا إبطاء ولا تأخير، ولو تحقق ذلك التطبيق عبر فترات متعاقبة ، وتم تنفيذه بشكل استعجالي متدرج عبر سنوات دراسية متوالية. لأن برنامج إصلاح التربية والتعليم هو برنامج بشري تنموي تظهر نتائجه عبر فترات بعيدة.
وإن أي استعجال لا تسبقه دراسات متأنية، ووضع مخططات علمية إستراتيجية، قد تنتج عنه كوارث وأزمات ومثبطات عويصة من الصعب أن يتحملها الجميع كما هو حال المشاريع التربوية الوزارية السابقة. ومن ثم، يقول وزير أحمد أخشيشن:” الزمن المدرسي زمن بطيء، على اعتبار أن إدخال أي تدبير يستغرق مدة من الزمن. وهذا يجعل كذلك محاسبة نجاح أو فشل العمليات الإصلاحية يتعدى الزمن السياسي والحكومي، بل عن النتائج الفعلية لن تظهر إلا بعد عشر أو خمس عشرة سنة.”
ومن هنا، فالمخطط الاستعجالي ، حسب وزير التربية الوطنية المغربي أحمد أخشيشن، هو عبارة عن رؤية متكاملة قابلة للإنجاز في ظرف وجيز.
ومن هنا، فالمخطط الاستعجالي بمثابة خارطة طريق تحدد الخطوات العملية التي يجب الالتزام بها من أجل إصلاح المنظومة التعليمية المغربية، وإعادة الثقة إلى المدرسة العمومية لكي تكون فعلا مدرسة النجاح ، ومدرسة الحداثة، ومدرسة المستقبل التنموي.
ويمكن اعتبار هذا المخطط الاستعجالي أيضا بمثابة ميثاق وطني ثان للتربية والتكوين يعتمد في قراراته ومبادئه على نتائج تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008م.
الأسباب التي كانت وراء المخطط الاستعجالي:
يمكن الحديث عن مجموعة من الأسباب التي استوجبت التفكير في إرساء مخطط استعجالي داخل المنظومة التربوية التعليمية الوطنية، وذلك لإنقاذ المدرسة المغربية من مشاكلها الوظيفية ، وتخليصها من أزماتها البنيوية العويصة، والحد من التعثرات العديدة التي تتخبط فيها المؤسسات التعليمية على جميع الأصعدة والمستويات. وبالتالي، يمكن الإشارة إلى أسباب عامة وأسباب خاصة:
1- الأسبـــاب العامـــة:
من المعلوم أن مجموعة من التقارير الدولية ترتب المغرب ضمن الدول المتخلفة الفقيرة التي تنتشر فيها الكثير من الآفات السلبية الخطيرة كالفقر، والرشوة، والمتاجرة في المخدرات، وزيف الانتخابات، وانتشار الأمية، واستفحال ظاهرة الدعارة، وكثرة حوادث السير ، وانعدام الديمقراطية الحقة، والاستهانة بحقوق الإنسان المشروعة الطبيعية والمكتسبة. ومن ثم، أصبح المغرب بلدا الأزمات والمفاسد والكوارث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتربويا وأخلاقيا. وهكذا، يتأرجح المغرب على مستوى التنمية البشرية العالمية بين الرتبتين 126 و130 0 وذلك ، بالنظر إلى الأوضاع المتدهورة التي يعرفها البلد على مستوى الدخل الفردي والصحة والتعليم ، بالإضافة إلى أوضاع حقوقية وثقافية واجتماعية وإنسانية منحطة في مجتمع منحط بدوره.
ومن ثم، فقد وضع تقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، والذي أشرف عليه البنك الدولي بواشنطن، بلدنا المغرب على صعيد التعليم والتربية في مرتبة عربية وإسلامية متأخرة ومتخلفة (المرتبة 11 من مجموع 14 دولة)، أي قبل العراق واليمن والصومال الفرنسية (جيبوتي). بينما تحتل الأردن والكويت وتونس ولبنان وإيران المراتب الأولى، في حين تحتل مصر وفلسطين(بما فيها غزة المحاصرة) والجزائر وسوريا والسعودية مراتب متوسطة .
2- الأسبـــاب الخاصـــة:
تتمثل الأسباب الخاصة التي كانت وراء وضع المخطط الاستعجالي الوطني في مجال التربية والتعليم في فشل الإصلاحات التعليمية السابقة ، وكساد النظريات التربوية على مستوى التنظير والتطبيق إما بسبب كونها شعارات سياسية جوفاء وفضفاضة، وإما لكونها نظريات جاهزة يحاول المسؤولون استنباتها في تربة مغايرة للتربة التي ظهرت فيها هذه النظريات. ومن بين هذه النظريات والشعارات: مبدأ تعميم التمدرس، والدعوة إلى مجانية المدرسة، وتوحيد المدرسة المغربية، والحث على تطبيق نظرية الأهداف، والأخذ بالنظرية التداولية، والإشادة بنظرية الجودة ، والدعوة إلى تمثل نظرية الشراكة ، واستلهام نظرية مشروع المؤسسة، واستنبات نظرية الكفايات، وتمثل نظرية الإدماج، والالتزام أخيرا بخوصصة المقررات الدراسية ، وتحريرها تجاريا على ضوء الانضباط بمقررات دفتر التحملات…
بالإضافة إلى فشل وزارة التربية الوطنية في تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، والتي أصبحت مقرراته منسية ومطروحة عرض الحائط على الرغم من طموحها الكبير، ولم يتم تنفيذ معظم تعهداتها إلى حد الآن لأسباب ذاتية وموضوعية. ناهيك عن تردي المدرسة المغربية هيكليا ووظيفيا، وضعف مردوديتها الإنتاجية، وتخلف معطياتها المعرفية والديداكتيكية والبيداغوجية ، وتفسخ منظومة القيم التربوية، وفشل هذه المدرسة في استقطاب التلاميذ ، والذين بدأوا يغادرون المدرسة العمومية نحو المدرسة الخصوصية بشكل لافت للانتباه. كما أصبحت المدرسة الخصوصية بدورها مؤسسة تجارية ، ليس لها من هم سوى تحقيق المكاسب المادية، وجني الأرباح الطائلة على حساب الأهداف النبيلة التي يرجوها المجتمع المغربي من منظومة التربية والتعليم.
زد على تلك الأسباب ، ضعف المدرسة المغربية التي لم تستجب لطموحات الشعب المغربي، ولم تساير متطلبات الاقتصاد الوطني ، ولم توفر أطرا مؤهلة لإرضاء سوق التشغيل، ولم تشبع رغبات التلاميذ. وبالتالي، لم يجد فيها المواطن المغربي فضاء لتوطيد الديمقراطية الحقة تعليما وتعلما واستحقاقا، ولم يجد فيها أيضا العدالة الاجتماعية المشروعة، بل صارت مدرسة للصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي والتنافس غير المشروع. كما أن هذه المدرسة تخرج لنا كل سنة آلافا من الطلبة غير مؤهلين أو مؤهلين بدبلومات لا تحتاجها السوق الوطنية.
ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء تعثر المدرسة المغربية ظاهرة الهدر المدرسي ، حيث ينقطع أكثر من 380 ألف طفل عن المدرسة سنويا قبل بلوغ 15 سنة عام 2006م، أي بنسبة تقدر بـ40٪ ، وهذا الرقم يعاكس فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على تعميم التعليم، والقضاء على الأمية نهائيا في 2015م. في حين ألفينا العكس هو الصواب، فالتلاميذ يغادرون الفصول الدراسية كل عام عن إرادة شخصية، وعن اقتناع وطواعية، وأيضا بمباركة الأسرة وتشجيعها؛ لأن المدرسة المغربية لا تحقق المستقبل بأي شكل من الأشكال. وبالتالي، لا تضمن الشغل، ولا تعطي الخبز، ولا توفر الأمان، ولا تحقق الاستقرار المادي والمعنوي. ومن هنا، فقد وجدنا المؤسسات التعليمية المغربية اليوم غاصة بالإناث على حساب الذكور، و الذين بدأوا يغادرونها بحثا عن العمل أو استعدادا للهجرة إلى الضفة الأخرى. وهذا سيترتب عنه في المستقبل- بلا ريب- أزمات خانقة كاستفحال ظاهرة البطالة، وقلة الموارد البشرية ، وتفاقم ظاهرة العنوسة بين الإناث، وانتشار الإجرام بين الذكور.
وإلى جانب الهدر المدرسي، هناك ظاهرة خطيرة أخرى تؤثر على ميزانية الدولة ألا وهي ظاهرة التكرار ، والتي بدأت تزداد كل سنة بنسبة عالية (13٪ في السلك الابتدائي، و17٪ في الثانوي مع نسبة مرتفعة تتجاوز نسبة 30٪ في الثالثة إعدادي والسنة الثانية من البكالوريا) ، بينما يلاحظ أن التكرار في البلدان المتقدمة ممنوع بموجب القانون.
ومن جهة أخرى، فهذا التكرار في الحقيقة ناتج عن تردي المنظومة التربوية عموما، والتي تضم في مؤسساتها أزيد من 6ملايين و535 ألف متعلم، ناهيك عن ضعف مردودية التعليم معرفيا ومهاريا وديداكتيكيا وبيداغوجيا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وضعف التكوين عند المدرسين الذين يقدر عددهم بـ220ألف، بينما الوزارة لا تخصص لتكوينهم البيداغوجي سوى 84 مليون درهم حسب إحصائيات سنة 2007م، وهذا الغلاف المالي في الواقع ضعيف بالمقارنة مع العدد الهائل من رجال التعليم، والذين هم في حاجة ماسة إلى التكوين التربوي والتأطير المعرفي والثقافي.
ولا ننسى أيضا الوضعية المتدهورة للفضاءات التربوية والتعليمية على مستوى البنايات والتجهيزات ، فالقاعات غير الصالحة تفوق تسعة آلاف قاعة . كما أن 60٪ من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، وأكثر من 75٪ من هذه المؤسسات لا ماء لها، في حين أن 80٪ ليس لها دورات مياه.
ويلاحظ أيضا قلة المؤسسات التربوية المشيدة من قبل الدولة، فالحاجة إلى الفصول الإعدادية مثلا تصل إلى 260 مؤسسة سنويا، بينما لا تبني منها الدولة سوى 90 كل سنة.. أضف إلى ذلك، عدم قدرتها على استيعاب العدد الهائل من التلاميذ، والذين يتزايدون كل سنة؛ مما سبب في ظاهرة الاكتظاظ الصفي (41 تلميذا في كل فصل).
علاوة على ذلك، نشير إلى ظاهرة انتشار الأساتذة الأشباح الذين يتهربون من مهمة التدريس لأسباب عدة كالتظاهر بالأمراض المزمنة، و الاستفادة من العلاقات الإخوانية والزبونية المبرمة مع المسؤولين عن القطاع، وإرغام الإدارة على قبول المطالب النقابية ، ونهج سياسة التفييض المقنع…
كما يلاحظ أيضا استفحال ظاهرة غياب رجال التعليم بشكل مقبول أو غير مقبول، فقد أحصت الوزارة بخصوص الغيابات المبررة بشواهد طبية حوالي مليون و880 ألف يوم في السنة. وبالتالي، لا يمكن أن تتحقق المردودية التعليمية والجودة التربوية بغياب الفاعلين التربويين الأساسيين.
ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء وضع هذا المخطط عدم قدرة المنظومة التعليمية المغربية التعاطي مع مستجدات الثورة الإعلامية والرقمية، وغياب التكوين المستمر للمدرسين ورجال الإدارة. و لا غرو أن وزارة التربية الوطنية المغربية بدأت توظف مجموعة من المدرسين بدون تأهيلهم تأهيلا بيداغوجيا وديداكتيكيا، أو قد تكونهم تكوينا سريعا لا يحقق النجاعة الحقيقية، ولا يعطي الثمار المرجوة داخل القسم الصفي. ولا ننسى أيضا عدم تجديد وسائل العمل الديداكتيكي والبيداغوجي داخل الفضاء المدرسي.
ويمكن الإشارة كذلك إلى نقص على مستوى التأطير والإشراف، وخصاص على مستوى الأطر التربوية سواء أكان ذلك في القطاع المدرسي أم قطاع التعليم العالي بعد تطبيق عملية المغادرة الطوعية سنة 2005م، وعدم انضباط رجال التعليم واحترامهم لساعات العمل، حيث إن أكثر من 37 ٪ من أساتذة التعليم الإعدادي لا يمارسون فعليا ساعات العمل المحددة في 24 ساعة في الأسبوع. أما أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، فإن 16 ٪ منهم لا يحترمون ساعات العمل المحددة في21 ساعة في الأسبوع. وهناك أيضا خصاص على مستوى رجال الإدارة، فلدى الوزارة الوصية ما يفوق 300 منصب مديري شاغر.
وعلى المستوى الجامعي، يبرز مشكل الاكتظاظ بشكل لافت للانتباه باعتباره عائقا كبيرا ومشكلا حادا، حيث تفوق نسبة التأطير معدل 85 طالبا لكل أستاذ جامعي، مع ملاحظة غياب التوازن بين المسالك العلمية والتكوينية والأدبية، وتفاقم ظاهرة الخصاص في الموارد البشرية.
بدايـــــات تنفيــــذ المخطط الاستعجالي:
بدأت وزارة التربية الوطنية في تنفيذ المخطط الاستعجالي مبدئيا من الدخول المدرسي لسنة 2009م عبر تنفيذ مجموعة من القرارات الأولية ، وإصدار مجموعة من المذكرات الوزارية الممهدة لتفعيل المخطط الاستعجالي في مجال التربية والتعليم. وتتعلق هذه المذكرات بالإلحاح على الدخول المبكر إلى المدارس التعليمية، وتوحيد الزي المدرسي، وتغيير الزمن المدرسي ، وتنظيم إيقاعاته الصفية في المدارس الابتدائية، والدعوة إلى مدرسة النجاح، وتكوين الأساتذة في بيداغوجيا الإدماج، وتكوين رجال الإدارة في مجال التدبير والتسيير، وتأهيل الأساتذة في مجال الإعلاميات ضمن مشروع جيني Génie ، وتوزيع مليون محفظة، واستحداث بعض الكتب المدرسية، مع تغيير البعض منها(كتب التربية الإسلامية مثلا) ، وحذف بعض الدروس الصعبة من المقررات الدراسية (حذف بعض دروس قواعد اللغة من كتب العربية بالتعليم الإعدادي والتأهيلي) ، وإصدار مذكرة المرشد التربوي لمساعدة المفتش أو المشرف المؤطر بسبب تقلص عدد المفتشين داخل المنظومة التربوية.
بيد أن التطبيق الفعلي الحقيقي للمخطط الاستعجالي سيكون بلا ريب مع تنفيذ الميزانية المالية لسنة 2010م، وسيمتد هذا المخطط الاستعجالي الإصلاحي إلى غاية 2012م.
مرجعيات المخطط الاستعجالي:
يستند المخطط الاستعجالي في مبادئه وقراراته إلى مجموعة من المرجعيات الأساسية والمصادر المباشرة وغير المباشرة. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى نتائج القرارات الدولية وتوصياتها الملحة حول ضرورة إصلاح المنظومة التربوية المغربية، ومرتكزات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وقرارات المجلس الأعلى للتعليم، وتصورات وزارة التربية الوطنية النظرية والتطبيقية ، وقرارات الحكومات المغربية المتعاقبة على السلطة إلى يومنا هذا، وما قرره التصريح الحكومي الأخير من مبادئ إصلاحية استعجالية، ونداءات الأحزاب السياسية ، ومطالب النقابات التعليمية، ومستلزمات الاقتصاد الوطني والدولي، وتوصيات القصر الملكي وتوجيهاته النيرة، ومساعي البرلمان لإيجاد تعليم مغربي متقدم ومزدهر.
أهـــداف المخطط وإستراتجيته العامة:
ينبني المخطط الاستعجالي الذي وضعته وزارة التربية الوطنية على مجموعة من الأهداف سواء أكانت أهدافا إجرائية خاصة أم أهدافا عامة. ويمكن حصر هذه الأهداف في الغايات التالية:
1- توفير الفضاءات الكافية لاستيعاب المتعلمين والمتمدرسين المغاربة. أي ضمان استقرار المدرسة عن طريق إيجاد البنايات التعليمية بواسطة بنائها أو اقتنائها أو كرائها، مع توفير الماء والكهرباء والهاتف. ولا يتم تفويت مشاريع بناء المؤسسات التعليمية إلا عبر صفقات مضبوطة بدفاتر تحملات واضحة.
2- توفير الأساتذة الأكفاء والأطر المجتهدة المتميزة لتحقيق المردودية التعليمية.
3- استقطاب جميع التلاميذ للالتحاق بالمؤسسات التعليمية في أجواء تربوية مفعمة بالسعادة والطمأنينة والاستقرار. أي يكون حضور التلاميذ إلى المدرسة بشكل مكثف ، وذلك للقضاء على الأمية والحد من الهدر المدرسي.
ويعني هذا أن المشروع الاستعجالي جاء لتحقيق أهداف جوهرية ثلاثة: إعداد المدرسة، وتكوين المدرس، وجلب التلميذ إلى المدرسة.
وقد سبق أن حدد وزير التربية الوطنية أحمد أخشيشن بتاريخ 3 يوليوز من سنة 2009م أمام المجلس الحكومي مخططه الاستعجالي 2009-2012م من أجل تحقيق مدرسة ديمقراطية حداثية تنموية. فحصر المخطط في أربعة مجالات أساسية، وهي:
1- مجال التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى حدود 15 سنة.
2- مجال حفز المبادرات والامتياز في الثانوية التأهيلية والجامعة.
3- مجال معالجة الإشكالات الأفقية الحاسمة للمنظومة التربوية.
4- مجال توفير الموارد اللازمة للنجاح.
وقد استهدف المخطط أيضا العمل على تنفيذ 23 مشروعا على النحو التالي:
1- تطوير التعليم الأولي.
2- توسيع العرض التربوي للتعليم الإلزامي.
3- تأهيل المؤسسات التعليمية.
4- ضمان تكافؤ فرص ولوج التعليم الإلزامي.
5- محاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع عن الدراسة.
6- تنمية مقاربة النوع في المنظومة التربوية.
7- إدماج الأطفال ذوي الحاجات الخاصة.
8- التركيز على المعارف والكفايات الأساسية( القراءة، والكتابة، والحساب، والسلوك المدني).
9- تحسين جودة الحياة المدرسية.
10- إرساء مدرسة الاحترام.
11- تأهيل العرض التربوي في الثانوي التأهيلي ( فتح مسالك وشعب جديدة).
12- تشجيع التميز.
13- تحسين العرض التربوي في التعليم العالي (تنويع التكوينات والمسالك والشهادات).
14- تشجيع البحث العلمي.
15- تعزيز كفاءات الأطر التربوية.
16- تطوير آليات تتبع وتقويم الأطر التربوية.
17- ترشيد تدبير الموارد البشرية للمنظومة.
18- استكمال ورش تطبيق اللامركزية واللاتركيز، وترشيد هيكلة الوزارة.
19- تحسين تخطيط وتدبير المنظومة.
20- تعزيز التحكم في اللغات.
21- وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه.
22- توفير وترشيد الموارد المالية اللازمة لإنجاح المخطط وضمان استدامتها.
23- تحقيق أعلى مستويات التعبئة والتواصل حول المدرسة.
آليـــــات التنفيــــذ:
قررت وزارة التربية الوطنية ، في إرساء مخططها الاستعجالي لإنقاذ المنظومة التربوية وإصلاحها ، أن تعتمد، أولا، على ميزانية الدولة المخصصة لقطاع التعليم. وستستعين، ثانيا، بما يخصص لها من نفقات وموارد إضافية. وثالثا، ستعتمد على ما ستحصل عليه من مساعدات أخرى عن طريق الشراكات الداخلية ( الجماعات المحلية وعدد من الفرقاء )، وربما عبر الشراكات الخارجية . وستلتجئ، رابعا، إن أمكن لها ذلك ، إلى الاستعانة بالقروض الدولية لتفعيل هذا المشروع التربوي الجبار والطموح .
كما يستفيد هذا المخطط الاستعجالي من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال توزيع مليون حقيبة على المتعلمين المعوزين من أجل توفير نسبة كبيرة من التلاميذ المتعلمين.
وهكذا، فقد استفاد المخطط الاستعجالي بميزانية تقدر بــ32مليار درهم، حيث إن جزءا كبيرا منها ستوفره الدولة. وسيتم تطبيق هذا المشروع الاستعجالي عبر التدرج ، وبطريقة تنفيذية عمودية من الأعلى نحو الأسفل. وستعتمد الوزارة في التطبيق مجموعة من الآليات كالحوار والانخراط الجماعي والمشاركة والتعاقد واللاتركيز والاجتهاد والمرونة والفعل والتقويم والمراجعة.
الإجــــراءات التطبيقية:
قررت وزارة التربية الوطنية في برنامجها التربوي الاستعجالي أن تقوم بتنفيذ مجموعة من الإجراءات الفورية قصد إنقاذ المنظومة التعليمية من مهاوي الضعف والسقوط والتردي عن طريق تمثل نتائج القرارات الدولية في ما يخص تقويم المنظومة التربوية المغربية ، وتطبيق اقتراحاتها السديدة، واستيعاب توصياتها الوجيهة، مع العمل على تنفيذ أولويات المدرسة المغربية كما حددها المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008م .
ومن بين القرارات الاستعجالية التي تم التفكير فيها آنيا أو مرحليا:
1- محاربة ظاهرة الاكتظاظ عن طريق تشييد البنايات المدرسية، والاقتناء المرحلي لفضاءات تعليمية ، أو كراؤها على غرار دولة الأردن.
2- إدخال المعلوميات إلى المدرسة المغربية من أجل عقلنة المنظومة التربوية ، وحوسبة الإدارة للتحكم في التسيير والتدبير.
3- التصدي لضعف الكفاءة التربوية عند ولوج مهنة التعليم عن طريق مراجعة المسارات التكوينية، وتطبيق نظام ADT ، والذي يسمح بالتعاقد مع المدرسين الحاصلين على الإجازة، والذين لهم تكوين بيداغوجي أو تربوي مسبق يؤهلهم للاشتغال في القطاع العام أو الخاص أو في المقاولات.
4- فتح مسلك مهني جامعي في مجال التربية والتعليم يوفر الطاقات المحنكة والمتميزة لمزاولة مهنة التعليم.
5- وضع مخطط سنوي لتكوين المدرسين تكوينا مستمرا في ما استجد من معارف ونظريات وتقنيات.
6- وضع تصور أولي حول إطار تنظيمي لعمل النقابات الذي تحتاج إليه الوزارة، والذي ينبغي أن يقوم على التشارك والتعاقد والتمثيلية.
7- استصلاح أوضاع المدرسة في العالم القروي.
8- توزيع مليون حقيبة على المتمدرسين.
9- رفع مالية المؤسسات التربوية في إطار مشروع مدرسة النجاح للتحكم في عمليات التدبير والتسيير.
10- تحفيز رجال التربية والإدارة والإشراف التربوي على العمل والعطاء المثمر ماديا ومعنويا.
11- تقوية آليات التأطير والإشراف التربوي بخلق إطار مرشد تربوي .
12- تشجيع الإبداع والبحث العلمي في المنظومتين التأهيلية والجامعية.
13- التفكير في مسالك جامعية خاصة بتدبير المؤسسات التربوية.
14- ضرورة استقلالية الجامعة المغربية على مستوى اختياراتها الأساسية وعلى المستوى التربوي.
15- تعميم التمدرس حتى 15 سنة للحد من الأمية والتحكم في الهدر المدرسي.
تقويم المخطط الاستعجالي:
من يتأمل بنود هذا المخطط الاستعجالي ، ويتبين قراراته وأهدافه، فإنه سيحس بفخر وانتشاء ، مادامت النوايا الحسنة ليس لها من هم سوى إنقاذ النظام التعليمي المغربي من أزماته الخانقة. بيد أنه بعد تدبر وتفكير عميق، سيلاحظ المتتبع للنظام التعليمي المغربي أن لهذا المخطط الاستعجالي سلبيات وإيجابيات.
فإذا كانت النقط الإيجابية من جهة تتمثل في توفير البنايات والتجهيزات التعليمية، وتوفير الأطر التربوية والإدارية، واستقطاب أكبر عدد من التلاميذ، وتشجيع التميز والبحث العلمي والابتكار، وتوحيد الزي المدرسي، وتكوين رجال التربية والإدارة تكوينا جيدا في مجال الرقميات والبيداغوجيا المعاصرة، وتوزيع مليون محفظة على التلاميذ، و خلق منصب مرشد تربوي، والعمل على تفعيل استقلالية الجامعة، والأخذ بمدرسة النجاح، وتنويع المسالك والشعب في الثانوي والجامعة من أجل الرفع من المردودية والتنمية المستدامة…
فإنه من جهة أخرى، يلاحظ المرء بعض النقط السلبية التي نتجت عن الشروع الأولي في تنفيذ هذا المخطط الاستعجالي كالدخول المتأخر إلى المدرسة في هذا الموسم الدراسي (2009-2010م)، وقلة الأطر التربوية والإدارية بشكل كبير، و حذف بعض المواد التعليمية كإلغاء مادة الترجمة في أقسام الجذوع المشتركة، وإلغاء نظام التفويج في ما يخص المواد العلمية، وحذف بعض الدروس المهمة كدروس قواعد اللغة العربية في الإعدادي والثانوي، وتقليص ساعات بعض المواد، وتراجع مستوى الجامعة بصفة خطيرة، وغياب البحث العلمي بشكل كلي، و تراجع قيمة شهادة الإجازة والدكتوراه الوطنية، وإحساس أساتذة القطاع المدرسي، ولاسيما الحاصلين على شهادة دكتوراه الدولة والدكتوراه الوطنية، بالحيف والظلم ماديا ومعنويا بالمقارنة مع إخوانهم في التعليم العالي، وعدم مواكبة المقررات الدراسية لما يستجد من أفكار ونظريات وتصورات ومناهج وتقنيات في الساحة المعرفية والعلمية والثقافية والأدبية…
والأغرب من كل هذا أن المسؤولين عن قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل الناجع لإصلاح التعليم، أي ليست لديهم أية رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه. وفي هذا السياق يقول وزير التربية الوطنية السيد أحمد أخشيشن:” فالذي اشتغلنا عليه نحن الآن هو إرساء تصور مغربي متأصل وحديث ليقدم إجابة عن سؤال ماذا نريد من التعليم. وماهي الصورة التي نريد أن نرى عليها أبناؤنا مستقبلا: هل امتلاك مهارات أم تعود على أجواء المدرسة أم تعلم القراءة والكتابة. وعندما نجيب عن هذا السؤال بدقة، سيصبح هو الضابط الذي على أساسه يصبح أي شخص يريد أن يقدم على مشروع في هذا الإطار يشتغل فيه.”
وعلى العموم، لا يمكن للتعليم المغربي أن يحقق النجاح في مجال التربية والتعليم إلا بتطبيق الديمقراطية الحقيقية بدلا من الاحتكام إلى سياسة الأهواء والأمزجة، ولابد أيضا من تحقيق العدالة الاجتماعية، وتطبيق مواثيق حقوق الإنسان، والاهتمام بالكفاءات العلمية المهمشة، وتطبيق المقاربة الإبداعية في مجال البيداغوجيا والديداكتيك، والرفع من مستوى التعليم العالي، والسمو بقيمة الشواهد العلمية ، وإسناد المناصب العليا إلى الذين يستحقونها في مجال التربية والتعليم عن جدارة علمية بدون اللجوء إلى توظيف أطر ضعيفة مهزوزة عبر طرق غير مشروعة معروفة للداني والقاصي…
خاتمــــــة:
وخلاصة القول: لا يمكن تنفيذ المخطط الاستعجالي المغربي في ميدان التربية والتعليم إلا بتضافر كل الجهود قاطبة، إذ ينبغي أن ينخرط فيه جميع الفاعلين كجمعيات الآباء، والجمعيات المدنية، والأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية، ورجال السلطة، والفاعلين التربويين والإداريين، وقطاع الحكومة.
ولا يتحقق هذا الإصلاح الاستعجالي أيضا إلا بالحوار البناء ، والمشاركة الهادفة، وتوفير الموارد البشرية، وتحصيل الإمكانيات المالية والمادية، وتطبيق النظرية الإبداعية، وتخليق الإدارة، وتحفيز المربي والإداري على حد سواء، وتشجيع المشرف التربوي ماديا ومعنويا، والإنصات إلى الأساتذة الأكفاء ، والأخذ بقراراتهم في مجال التربية والتعليم. بل يمكن القول: إن إصلاح المدرسة في الحقيقة ينبغي أن تتكلف به الجماعات المحلية والسلطات الإقليمية والجهوية كما هو معروف في الدول المتقدمة.
ويمكن القول في الأخير: إن أي مخطط استعجالي إذا لم ترافقه النية الحسنة، وإذا لم يواكبه الاجتهاد، والاستمرار، والتنفيذ الفعلي، والتطبيق الإجرائي الفوري، والتقويم الموضوعي، سيبقى حبرا على ورق يتأرجح بين شعارات سياسية جوفاء وأحلام وردية بعيدة عن الواقع.