JOSEF BOUHADDAOUI عضو متألق
عدد المساهمات : 229 نقاط : 618 تاريخ التسجيل : 08/04/2010
| موضوع: الطريق الى المدينة المنورة 2010-04-24, 09:48 | |
| إلى المدينة المنورة
ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فى قتل رسول الله فقد فشلوا فشلاً فاحشاً . ففى هذه الساعة الحرجة قال إلى المدينة المنورة
ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فى قتل رسول الله فقد فشلوا فشلاً فاحشاً . ففى هذه الساعة الحرجة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلى بن أبى طالب : نم على فراشى وتسج ببردى هذا الحضرمى الأخضر , فنم فيه , فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم , وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام فى برده ذلك إذا نام .
ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واخترق صفوفهم , وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم , وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه , وهو يتلو : {وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون } (يس :9) فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه تراباً , ومضى إلى بيت أبى بكر , فخرجا من خوخة فى دار أبى بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور فى اتجاه اليمن .
وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر , وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل , فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم , ورآهم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟
قالوا محمداً . قال : خبتم وخسرتم , قد والله مر بكم , وذر على رءوسكم التراب , وانطلق لحاجته , قالوا والله ما أبصرناه , وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم .
ولكنهم تطلعوا من سير الباب فرأوا علياً , فقالوا والله إن هذا لمحمد نائماً , عليه برده , فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . وقام على من الفراش , فسقط فى أيديهم , وسألوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فقال لا علم لى به .
غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته فى ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622م . وأتى إلى دار رفيقه وأمن الناس عليه فى صحبته وماله أبى بكر رضى الله عنه . ثم غادرا منزل الأخير من باب خلفى , ليخرجا من مكة على عجل , وقبل أن يطلع الفجر .
ولما كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن قريشاً ستجد فى الطلب , وأن الطريق الذى ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسى المتجه شمالاً , فقد سلك الطريق الذى يضاده تماماً , وهو الطريق الواقع فى جنوب مكة , والمتجه نحو اليمن .
سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال , حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور , وهذا جبل شامخ , وعر الطريق , صعب المرتقى , ذا أحجار كثيرة , فحفيت قدما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وقيل : بل كان يمشى فى الطريق على أطراف قدميه كى يخفى أثره فحفيت قدماه وأياً ما كان , فقد حمله أبو بكر حين بلغ الجبل , وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار فى قمة الجبل , عرف فى التاريخ بغار ثور .
ولما انتهينا إلى الغار قال أبو بكر : والله لا تدخله حتى أدخله قبلك . فإن كان فيه شئ أصابنى دونك , فدخل فكسحه , ووجد فى جانبه ثقباً فشق إزاره وسدها به , وبقى منهما اثنان فألقمهما برجليه , ثم قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادخل فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ووضع رأسه فى حجره ونام , فلدغ أبو بكر فى رجله من الحجر , ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فسقطت دموعه على وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فقال : مالك يا أبا بكر ؟ قال لدغت , فداك أبى وأمى , فتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فذهب ما يجده.
وكمنا فى الغار ثلاث ليال , ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد . وكان عبد الله بن أبى بكر يبيت عندهما . قالت عائشة : وهو غلام شاب ثقف لقن , فيدلج من عندهما بسحر , فيصبح مع قريش بمكة كبائب , فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه , حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام . وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم , فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء , فيبيتان فى رسل _ وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس , يفعل ذلك فى كل ليلة من تلك الليالى الثلاث . وكان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبى بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفى عليه .
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد إليها إفلات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صباح ليلة تنفيذ الأوامر . فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا علياً , وسحبوه إلى الكعبة , وحبسوه ساعة , علهم يظفرون بخبرهما .
ولما لم يحصلوا من علىَّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبى بكر , وقرعوا بابه , فخرجت إليهم أسماء بنت أبى بكر , فقالوا لها : أين أبوك ؟ قالت : لا أدرى والله أين أبى ؟ فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها .
وقررت قريش فى جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التى يمكن بها القبض على الرجلين , فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة (فى جميع الجهات) تحت المراقبة المسلحة الشديدة , كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين , كائناً من كان .
وحينئذٍ جدت الفرسان والمشاة وقصاص الأثر فى الطلب , وانتشروا فى الجبال والوديان , والوهاد والهضاب , لكن من دون جدوى وبغير عائدة .
وقد وصل المطاردون إلى باب الغار , ولكن الله غالب على أمره , روى البخارى عن أنس عن أبى بكر قال : كنت مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الغار فرفع رأسى , فإذا أنا بأقدام القوم , فقلت يا نبى الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا .
قال : اسكت يا أبا بكر , اثنان الله ثالثهما , وفى لفظ ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما .
وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - , فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة .
وحين خمدت نار الطلب , وتوقفت أعمال دوريات التفتيش , وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى , تهيأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه للخروج إلى المدينة .
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقظ الليثى , وكان هادياً خريتاً ماهراً بالطريق وكان على دين كفار قريش , وأمناه على ذلك وسلما إليه راحلتيهما , وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما , فلما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول سنة 1هـ / 16 سبتمبر سنة 622م جاءهما عبد الله بن أريقظ بالراحلتين وحينئذٍ قال أبو بكر للنبى - صلى الله عليه وسلم - : بأبى أنت يا رسول الله , خذ إحدى راحلتى هاتين . وقرب إليه أفضلهما . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالثمن .
وأتتهما أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما بسفرتهما , ونسيت أن تجعل لها عصاماً , فلما ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضى الله عنه , وارتحل معهم عامر بن فهيرة وأخذ بهم الدليل عبد الله بن أريقظ على طريق السواحل .
وأول ما سلك بهم بعد الخروج من الغار أنه أمعن فى اتجاه الجنوب نحو اليمن , ثم اتجه غرباً نحو الساحل , حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس اتجه شمالاً على مقربة من شاطئ البحر الأحمر , وسلك طريقاً لم يكن يسلكه أحد إلا نادراً .
ولما خرج بهما الدليل سلك بهما أسفل مكة , ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق أسفل من عسفان , ثم سلك بهما على أسفل أمج , ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قديداً , ثم أجاز بهما من مكانه ذلك , فسلك بهما الخرار , ثم سلك بهما ثنية المرة , ثم سلك بهما لقفا , ثم أجاز بهما مدلجة لقف , ثم استبطن بهما مدلجة مجاح , ثم سلك بهما مرجح محاج , ثم تبطن بهما مرجح ذى الغضوين , ثم بطن ذى كشر , ثم أخذ بهما على الجداجد , ثم على الأجرد , ثم سلك بهما ذا سلم , من بطن أعداء مدلجة تعهن , ثم على العبابيد , ثم أجاز بهما الفاجة , ثم هبط بهما العرج , ثم سلك بهما ثنية العائر عن يمين ركوبة حتى هبط بهما بطن رئم , ثم قدم بهما على قباء .
وهاك بعض ما وقع فى الطريق :
1 - روى البخارى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه قال : أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة , وخلا الطريق , لا يمر فيه أحد , فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليها الشمس , فنزلنا عنده , وسويت للنبى - صلى الله عليه وسلم - مكاناً بيدى ينام عليه , وبسطت عليه فروة , وقلت : نم يا رسول الله , وأنا انفض لك ما حولك , فنام , وخرجت أنفض ما حوله , فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة , يريد منها مثل الذى أردنا , فقلت له : لمن أنت يا غلام ؟ فقال : لرجل من أهل المدينة أو مكة . قلت : أفى غنمك لبن ؟ قال : نعم . قلت : أفتحلب ؟ قال : نعم . فأخذ شاة , فقلت : انفض الضرع من التراب والشعر والقذى , فحلب فى كعب كثبة من لبن , ومعى إداوة حملتها للنبى - صلى الله عليه وسلم - , يرتوى منها , يشرب ويتوضأ , فأتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - , فكرهت أن أوقظه , فوافقته حين استيقظ , فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله , فقلت : اشرب يا رسول الله , فشرب حتى رضيت , ثم قال : ألم يأن الرحيل ؟ قلت : بلى , قال : فارتحلنا . 2 - كان من دأب أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه كان ردفاً للنبى - صلى الله عليه وسلم - , وكان شيخاً يعرف , ونبى الله - صلى الله عليه وسلم - شاب لا يعرف , فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : من هذا الرجل الذى بين يديك ؟ فيقول هذا الرجل يهدينى الطريق , فيحسب الحاسب أنه يعنى به الطريق وإنما يعنى سبيل الخير . 3 - وتبعهما فى الطريق سراقة بن مالك , قال سراقة : بينما أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى بنى مدلج , أقبل رجل منهم حتى قام علينا , ونحن جلوس , فقال يا سراقة : إنى رأيت آنفاً أسودة بالساحل , أراها محمداً وأصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم فقلت له إنهم ليسوا بهم , ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا , ثم لبثت فى المجلس ساعة , ثم قمت فدخلت , فأمرت جاريتى أن تخرج فرسى , وهى من وراء أكمة , فتحبسها على , وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت , فخططت بزجه الأرض , وخفضت عاليه , حتى أتيت فرسى , فركبتها فعرفتها تقرب بى حتى دنوت منهم , فعثرت بى فرسى فخررت عنهما , فقمت فأهويت يدى إلى كنانتى , فاستخرجت منها الأزلام , فاستقسمت بها , أضرهم أم لا ؟ فخرج الذى أكره , فركبت فرسى وعصيت الأزلام , تقرب بى حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت , وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسى فى الأرض , حتى بلغتا الركبتين , فخررت عنها , ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها , فلما استوت قائمة إذ لأثر يديها غبار ساطع فى السماء مثل الدخان , فاستقسمت بالأزلام , فخرج الذى أكره , فناديتهم بالأمان فوقفوا , فركبت فرسى حتى جئتهم , ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية , وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم , وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزأنى , ولم يسألانى إلا أن قال : اخف عنا , فسألته أن يكتب لى كتاب أمن , فأمر عامر بن فهيرة , فكتب لى فى ركعة من آدم , ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفى رواية عن أبى بكر رضى الله عنه قال : ارتحلنا , والقوم يطلبوننا , فلم يدركنا منهم أحد غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له , فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله فقال :{لا تحزن إن الله معنا} .
ورجع سراقة , فوجد الناس فى الطلب , فجعل يقول : قد استبرأت لكم الخبر , قد كفيتم ماههنا , وكان أول النهار جاهداً عليهما , وآخره حارساً لهما .
- ومر فى مسيرة ذلك حتى مر بخيمتى أم معبد الخزاعية , وكانت امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء الخيمة , ثم تطعم وتسقى من مر بها , فسألاها : هل عندها شئ ؟ فقالت : والله لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى والشاء عازب , وكانت سنة شهباء .
فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة فى كسر الخيمة , فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم , فقال : هل بها من لبن ؟ قالت : هى أجهد من ذلك . فقال : أتأذنين لى أن أحلبها ؟ قالت نعم بأبى وأمى , وإن رأيت بها حلباً فاحلبها . فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ضرعها , وسمى الله ودعا , فتفاجت عليه ودرت , فدعا بإناء لها يربط الرهط , فحلب فيه حتى علته الرغوة , فسقاها فشربت حتى رويت , وسقى أصحابه حتى رووا , ثم شرب , وحلب فيه ثانياً , حتى ملأ الإناء , ثم غادره عندها فارتحلوا .
فما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزالاً , فلما رأى اللبن عجب , فقال : من أين لك هذا ؟ والشاة عازب , ولا حلوبة فى البيت ؟ فقالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت , ومن حاله كذا وكذا , قال : إنى والله أراه صاحب قريش الذى تطلبه , صفيه لى يا أم معبد , فوصفته بصفاته الرائعة بكلام رائع كأن السامع ينظر إليه وهو أمامه وسننقله فى بيان صفاته - صلى الله عليه وسلم - فى أواخر المقالة فقال أبو معبد : والله هذا صاحب قريش الذى ذكروا من أمره ما ذكروا , لقد هممت أن أصحبه , ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً , وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعونه ولا يرون القائل :
جزى الله رب العرش خير جزائه رفيقين حلا خيمتى أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به وأفلح من أمسى رفيق محمد فيا لقصى ما زوى الله عنكم به من فعال لا يحاذى وسؤدد ليهن بنى كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
قالت أسماء : ما درينا أين توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات , والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه , حتى خرج من أعلاها . قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وأن وجهه إلى المدينة .
1 - وفى الطريق لقى النبى - صلى الله عليه وسلم - أبا بريدة , وكان رئيس قومه , خرج فى طلب النبى - صلى الله عليه وسلم - وأبى بكر , رجاء أن يفوز بالمكافأة الكبيرة التى كان قد أعلن قريش ولما واجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلمه أسلم مكانه مع سبعين رجلاً من قومه , ثم نزع عمامته , وعقدها برمحه , فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطاً .
2 - وفى الطريق لقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير , وهو فى ركب المسلمين , كانوا تجاراً قافلين من الشام , فكسا الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ثياباً بيضاء .
وفى يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة وهى السنة الأولى من الهجرة _ الموافق 23 سبتمبر سنة 622م نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء .
قال عروة بن الزبير : سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة , فكاموا يغدون كل غداة إلى الحرة , فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة , فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم , فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه , فبصر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب , فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته يا معاشر العرب , هذا جدكم الذى تنتظرون , فثار المسلمون إلى السلاح .
قال ابن القيم : وسمعت الرجة والتكبير فى بنى عمرو بن عوف , وكبر المسلمون فرحاً بقدومه , وخرجوا للقائه , فتلقوه وحيوه بتحية النبوة , فأحدقوا به مطيفين حوله , والسكينة تغشاه , والوحى نزل عليه : {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين , والملائكة بعد ذلك ظهير } (التحريم : 4).
قال عروة بن الزبير : فتلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فعدل بهم ذات اليمين , حتى نزل بهم فى بنى عمرو بن عوف , وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول . فقام أبو بكر للناس , وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتاً , فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحيى وفى نسخة : يجئ أبا بكر , حتى أصابت الشمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه , فعرف الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك .
وكانت المدينة كلها قد زحفت للاستقبال , وكان يوماً مشهوداً لم تشهد المدينة مثله فى تاريخها , وقد رأى اليهود صدق بشارة حبقوق النبى : إن الله جاء من التيمان , والقدوس من جبال فاران .
ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء على كلثوم بن الهدم , وقيل : بل على سعد بن خيثمة والأول أثبت , ومكث على بن أبى طالب ثلاثاً , حتى أدى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الودائع التى كانت عنده للناس , ثم هاجر ماشياً على قدميه , حتى لحقهما بقباء , ونزل على كلثوم بن الهدم .
وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء أربعة أيام : الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس . وأسس مسجد قباء وصلى فيه , وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة , فلما كان اليوم الخامس يوم الجمعة ركب بأمر الله له , وأبو بكر ردفه , وأرسل إلى بنى النجار أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم فسار نحو المدينة , فأدركته الجمعة فى بنى سالم بن عوف , فجمع بهم فى المسجد الذى فى بطن الوادى , وكانوا مائة رجل .
وبعد الجمعة دخل النبى - صلى الله عليه وسلم - المدينة ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ويعبر عنها بالمدينة مختصراً وكان يوماً تاريخياً أغر , فقد كانت البيوت والسكك ترتج بأصوات التحميد والتقديس , وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات فرحاً وسروراً :
أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
والأنصار إن لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة ؛ إلا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه . فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته : هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة , فكان يقول لهم : خلوا سبيلها فإنها مأمورة , فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوى اليوم فبركت , ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً , ثم التفتت ورجعت فبركت فى موضعها الأول , فنزل عنها , وذلك فى بنى النجار أخواله - صلى الله عليه وسلم - . وكان من توفيق الله لها , فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم بذلك , فجعل الناس يكلمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى النزول عليهم , وبادر أبو أيوب الأنصارى إلى رحله , فأدخله بيته , فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : المرء مع رحله , وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته , وكانت عنده .
| |
|