يرى العلماء أن الملايين من الأشخاص سيضطرون للنزوح من منازلهم في العقود القليلة المقبلة بسبب زيادة ارتفاع مستوى سطح البحر وأن المناطق التي تقع على علو منخفض ستكون الأكثر تضررا.
تبدو هذه المعطيات لوهلة مجرد أرقام وتكهنات. لكن في بعض المناطق في العالم بدأت آثار التغير المناخي بالفعل تظهر بشكل ملموس.
وقد اختارت بي بي سي من بين هذه المناطق المهددة دولة بنجلاديش حيث يتوقع أن يهجر حوالي 20 مليونا من سكان البلد منازلهم بحلول سنة 2050 بسبب عوامل التغير البيئي. وقد توجه عدد من الصحفيين من الخدمة العالمية لبي بي سي للمشاركة في رحلة في أكبر أنهار بنجلاديش كي يعاينوا عن كثب آثار هذا التغير وتأثيره على السكان المحليين.
حينما تقررت مشاركتي في هذه الرحلة، لم تكن لدي أدنى فكرة عما يمكن أن أصادفه في بنجلاديش، وإن كانت هناك مظاهر جلية للتغير البيئي في الكثير من أنحاء العالم.
الازدحام موجود في الأنهار أيضاولكن بمجرد أن بلغت المجال الجوي لبنجلاديش أصبحت الصورة أكثر وضوحا. فعندما شارفت الطائرة على الهبوط في مطار دكا، نظرت من النافذة لأفاجأ برؤية المياه وقد غمرت مساحات شاسعة من الأراضي. وبدت البلاد وكأنها عائمة وسط بركة كبيرة.
كانت الفيضانات قد انتهت منذ مدة. لكن المياه لا تزال تغمر مساحات كبيرة. ولدى الاستفسار من السكان المحليين علمت أن هذه المياه لم تنحسر منذ انتهاء الفيضانات، والتي غطت في مرحلة من المراحل حوالي 40 بالمائة من المساحةالإجمالية للبلاد.
ورغم أن بنجلاديش عادة ما تشهد الفيضانات سنويا بسبب العدد الكبير من الأنهار، فإن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا في وتيرتها وحدتها. ويعزو خبراء البيئة المحليون ذلك أساسا لعوامل التغير البيئي.
شوارع وأنهار مزدحمة
من المعروف أن بنجلاديش، التي يبلغ عدد سكانها 135 مليونا، من أكثر الدول اكتظاظا في العالم. لذا تساءلت حينما رأيت المساحة الكبيرة التي تغطيها المياه عن مصير عشرات الآلاف من أولئك الناس الذين يعيشون بمحاذاة الأنهار خاصة أنها من أكثر المناطق خصوبة في البلاد.
وخلال جولتي في شوارع العاصمة ، لفت نظري ذلك العدد الهائل من الناس في الشوارع حتى أن الرصيف لم يعد يسعهم. ورغم علمي المسبق بأن دكا هي من أكثر المدن اكتظاظا في العالم، لم أكن أتصور مطلقا أن أشاهد هذا الكم الهائل من الناس أو السيارات.
وينعكس هذا على المباني أيضا حيث تراها متراصة جنبا إلى جنب بشكل عشوائي في معظم أنحاء المدينة. في حين تبدو مظاهر الفقر بادية بشكل واضح.
فرغم زحمة السير الخانقة في الشوارع فإن معظم السيارات تبدو قديمة جدا فيما يزاحم المتسولون الدراجات الهوائية والسيارات في الشوارع لعلهم يحظون بالقليل ليتزودوا به.
تحدثت بي بي سي العربية إلى إيف مار، صاحب أحد أنشط المنظمات غير الحكومية في بنجلاديش، حيث تحاول منظمته مساعدة أكثر الأشخاص تضررا من تقلب العوامل البيئية سواء عبر تقديم مساعدات صحية لهم أو عبر بناء مدارس لأطفالهم.
يقول مار إن معظم الناس الذين تدمر الفياضانات بيوتهم ينتقلون للعيش في مدن البناء العشوائي في دكا.
ويضيف أنه مع زيادة المناطق التي تغمرها مياه الفياضات كل سنة، يخشى أن يزيد الاكتظاظ في المدينة التي تصل ساكنتها الآن إلى أكثر من ثمانية ملايين نسمة.
حينما بلغت ضفة نهر غانغا، أحد أكبر أنهار بنجلاديش، لألتحق بالسفينة التي سنقوم فيها بجولة عبر المناطق المتضررة من مياه الفياضانات، اكتشفت أن الاكتظاظ السكاني في بنجلاديش لا يقتصر فقط على الشوارع بل يمتد أيضا إلى الأنهار.
فإضافة إلى قوارب الصيد الكبيرة، كنت ترى عائلات بأكملها وقد جلست في مراكب صغيرة تحاول اصطياد حصتها اليومية من السمك. وفيما يتولي رب العائلة أمر شبكة الصيد، تقوم الأم بالتجديف بالقارب فيما يجلس الأطفال الصغار بهدوء وهم على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة إن طلبت منهم.
ولكن رغم الظروف الصعبة التي يعيشها السكان هنا، يبدو أنهم تكيفوا على التعامل مع التقلبات البيئية والمعيشية.
ويبدو أن اضطرارهم للتنقل مرارا وتكرارا بفعل اجتياح مياه الفياضانات لأراضيهم جعلهم قادرين على التكيف على أوضاع مختلفة.
والسؤال المطروح هو ما مصيرهم إن صدق تكهن العلماء بأن ثلث مساحة بنجلاديش سوف تختفي إن استمر مستوى سطح البحر يرتفع بنفس الوتيرة.